17 - 07 - 2024

مؤشرات | رأس الحكمة وحقوق الأجيال في تعمير الأرض

مؤشرات | رأس الحكمة وحقوق الأجيال في تعمير الأرض

قبل نحو ربع قرن خضت حملة صحفية بشأن حقوق الأجيال القادمة بإحدى الدول العربية  في تنمية مشروعات تناسب عصورهم، وأن يُراعي ذلك في خطط التنمية بشكل عام، وتلك التي تتم تحت إسم "مناطق حرة".

ودعا الخبراء والمختصون إلى أهمية المواءمة بين ما يطمح إليه الحكام والتنفيذيون في سنوات حكمهم، والسعي لإحداث تغيير شامل، واستقطاب إستثمارات من الدخل والخارج، وما بين حقوق الأجيال القادمة في تنمية مختلفة برؤى السنوات المستقبلية، بحيث لا يأتي طموح الإدارات الحالية أو أخطائهم على حساب من هم قادمون.

وتم عرض تجارب تاريخية في دول عديدة، والتي تجسدت في ترك مساحات لأصحاب للتفكير والإبداع لمن هم قادمون، ليضيفوا لمن سبقوهم معمارًا ومشروعات جديدة ومختلفة، تصبح قيمة مضافة، ولبناء حضارات مختلفة، حتما ستكون مختلفة مع حالات التطور الرهيبة في علم بلا حدود في التفكير والإبتكار والإبداع.

وكانت رؤية الخبراء أنه من المهم أن يكون هناك مواءمة في المساحات المتاحة للأجيال القادمة خصوصا من الأراضي للتنمية ، على أن تكون بين (الحضر والمدر)، ولا تقتصر على شق معين، وتراعي حقوقهم في السواحل وغيرها من الإمتدادات العمرانية.

ومن النقاط المهمة التي أثيرت في الحملة، ما يتعلق بالحفاظ على ملكية الدولة في تنمية الأراضي، ولا يكون هناك ملكيات مطلقة لغير مواطني البلد، وتنظيم قوانين خاصة تحكم هذا، بما لا يخل بحقوق الدولة والمستثمر، وحماية الطرفين، حتى تحت تطبيق السياسات والقوانين الإقتصادية للمناطق الحرة، مع تعزيز سلطات القضاء المحلي في الفصل والتقاضي، بما يعطي مساحة لحماية الحقوق لمختلف الأطرف.

وأعتقد أن هذه الحملة فتحت وقتها أفاقًا للحوار، ونالت اهتمامًا من متخذي القرار، بل وصل الأمر إلى تنظيم لقاءات نقاشية، حضرت بعضها، وأسفرت عن تنظيم جديد لخطط التطوير والتنمية والعقارية، لتبقى أراضي ومساحات وشواطئ بكر كحق للتطوير لاحقًا للأحفاد ومن بعدهم، مع حق قائم لمن يريدون إحداث نقلة نوعية لبلادهم في سنوات حكهم.

ولم يحدث أي تشكيك في نوايا أي طرف، وتم الوقوف على مسافة واحدة من كل الأراء، مع رفع شعار غير معلن، هو أن التنمية للبلاد هدف مشترك من الجميع، وكل يعبر عن هذا برؤيته وفكره، كما تم إلغاء كلمتي (التخوين والمصلحة) من قاموس الحوارات التي دارت لتخرج برؤى تخدم الوطن ومواطنيه.

تذكرت هذه القصة ونحن بصدد الحوار حول مشروع "رأس الحكمة"، والمشروعات المشابهة محل الجدل والإثارة والنشر في وسائل الإعلام، والحق في المعرفة بشفافية من أجل الجميع، ووقف اللغط أو الحد منه، دون ترك الأمر لأي اجتهاد صائب أو غير صائب حول ما وراء (شراكة أو بيع أو حق الإنتفاع و غير ذلك في مشروع رأس الحكمة).

المؤكد أن المشروع مهم من الناحية الإقتصادية، ويخاطب شريحة معينة من المستفيدين منه، سواء في الداخل أو الخارج، وحتما سيخضع للوائح مختلفة كليًا، عن تلك القوانين الحاكمة للإستثمار حاليًا، وإن كان هذا يقع أيضًا ضمن محل الإجتهاد.

والمشروع له أهمية أخرى، أنه خطوة لإستقطاب رؤوس الأموال العربية للإستثمار في مصر- الإماراتي منه على سبيل المثال- ، بدلا من رأس المال الأجنبي غير المستقر في مكان، بخلاف عن أنه بمثابة توطين للإستثمار طويل المدى، بدلاً من تلك "الأموال الساخنة" التي تعمل وفق شعار "اكسب أو اخطف واجري".

لا أحب الربط هنا بين رأس الحكمة وقضية متغيرات سعر الصرف، فهذه مسألة خلافية، نظرا لضخامة حجم الديون المصرية، والتي تحتاج إلى حلول أكثر إتساعًا، وخطوات لمنظومة أكثر شمولاً وأكثر تغطية لمختلف القطاعات، لتحقق تنمية واسعة النطاق.

بل الأهم في وجهة نظري الربط بين رأس الحكمة، وطمأنة الناس، والرد على كل الاستفسارات في الشوارع، وعلى صفحات التواصل الإجتماعي، خصوصًا، ما يتعلق بطبيعة الملكية للطرف الثاني، والسر فيما يتردد عن إخضاع "الشراكة" لقوانين أمريكية.

ويبقى من بين الأهم والمهم، هو التأني في تكرار إطلاق نفس المشروعات بذات السياسة، حتى نقف على التجربة الأولى المتمثلة في "رأس الحكمة"، ومراعاة الأجيال المدنية في حقوقهم التنموية، وعدم أكل حقوقهم في تطوير ما يرونه لحياتهم، مع الدخول في بدائل لحل الأزمات الراهنة بعيدًا عن اتباع أسهل الوسائل لحلول جزئية لأزمات كبيرة، مع الإجابات الواضحة حول حقوق سكان ومستوطني أراضي التعمير الجديدة.

والمؤكد أن مصر تحتاج أكبر بكثير لتجاوز أزماتها، من مجرد بيع او شراكات لها الغلبة للطرف الآخر، فمصر زاخرة بالأفكار القدرات لتتخطى أزماتها بحول متوسطة وطويلة المدى في عمر زمان إختلفت فيه مدد سنوات عوائد المدى القصير والمتوسط والطويل.
-----------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا